الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة تونس تعاني من العصيان الإداري !

نشر في  01 أكتوبر 2014  (22:01)

يجد المرء نفسه مُجبرا في بعض الأحيان على التفاعل والتعاطي مع الشأن العام ومشاكل الناس اليومية والحياتية حتّى وإن كانت المساحة غير مخصّصة لذلك، فما يحدث في تونس من تطوّرات وتكالب على السلطة وانحدار في المستوى المعيشي وازدياد في الفقر والفاقة وارتفاع في وتيرة الإرهاب والتهريب، كلّها أسباب تُبرّر التركيز على هذه المظاهر والظواهر التي تعيشها بلادنا لأنه لا معنى للرياضة في غياب الأمن والاستقرار والطمأنينة والمستقبل.
اليوم أردت الحديث عن موضوع الفايسبوك في الإدارة التونسية الذي بات يهدد العمل الإداري ويعطّل مصالح الناس ويتسبب في إهدار المال العام بسبب ساعات العمل المهدورة نتيجة الإفراط في استخدامه والإدمان عليه من طرف شريحة واسعة من الموظفين على حساب مصالح المواطن.
ولئن كانت هذه الظاهرة لا تقتصر على تونس دون غيرها، بل تعيشها العديد من البلدان وخاصة العربية فإن ما يجب تأكيده هو استفحالها في إداراتنا ومؤسساتنا العمومية بشكل بات يمثّل خطرا على العمل كقيمة حضارية وعلى أداء الموظف في علاقته بالمواطن وبالخدمات التي يقدّمها له، فعلاوة على ارتفاع ظاهرة الغيابات في الإدارة التونسية، والحضور المتأخر ومغادرة العمل قبل التوقيت الإداري، أفاد العديد من شهود العيان وحتّى تقارير رسمية أنجزت للغرض أن الأداء في الادارة وصل إلى أدناه وأن الضمير المهني خرج ولم يعد في مؤسساتنا مما انعكس سلبا على اقتصاد البلاد ونموها خصوصا وأن عدد الموظفين في كل مؤسسات الدولة ازداد وتضاعف مقابل تراجع في المردود والمردودية.. وقد وصلت نسبة الغيابات الادارية في تونس سنة 2012 إلى 65٪ وقد قام فريق مراقبة تابع لهيكل الاصلاح الاداري بعد الثورة بمراقبة عدد من الادارات التونسية بمقرات العمل ولاحظوا أن نسبة الغيابات قد بلغت 37٪ ببعض الادارات التونسية بتونس الكبرى وأن 33٪ فقط من الموظفين يعملون. واتضح أن بعض الادارات لا يوجد بها موظف واحد وهو ما عطل مصالح المواطنين، كما يسجل سنويا خسارة حوالي مليون و86 ألف يوم عمل بسبب الغيابات ويمثل هذا الاشكال أبرز عوائق النهوض بالانتاج.
من جهته أكد حكيم حمودة وزير الاقتصاد والماليّة في حكومة المهدي جمعة إن الوضع الاقتصادي في تونس أصبح صعبا جدّا على جميع المستويات وذكّر ببعض المعطيات ومنها تراجع نسبة النمو الاقتصادي إلى 2.6 بالمائة سنة 2013 وتراجع نسق الاستثمار بـ 4 نقاط وأشار إلى عزوف التونسي عن العمل منذ الثورة حيث انخفضت نسبة الانتاجية بشكل ملحوظ مما تسبب في عدة خسائر وخيمة على الاقتصاد الوطني.
ولاشك في أن تراجع سلطة المسؤول واستقواء بعض الموظفين في القطاعين العام والخاص ببعض النقابات داخل المؤسسات الإدارية وعدم احترام التسلسل الإداري والخوف من كلمة «dégage» التي يمكن أن تُرفع في وجه الرئيس المدير العام أو من يأتي بعده في السلّم الترتيبي كلها عوامل شجعت على العصيان الإداري، وكرّست عقلية التواكل «ورزق البليك» وجعلت عددا هاما من الموظفين يشعرون أنهم فوق القانون وفوق المحاسبة يأتون عندما يشاؤون ويغادرون متى يريدون.. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها أو التغافل عنها، وهي في كل الأحوال معضلة ومصيبة ساهمت بشكل أو بآخر في ما وصلنا إليه.
لذلك وإن كان من حق أي شخص أن يستعمل الفايسبوك ووسائل التواصل الإجتماعي للإطلاع على مايحدث هنا وهناك، فلا يمكن أن يكون ذلك على حساب أوقات العمل ومصالح المواطنين، لأن العمل مقدس وله قوانينه وشروطه التي لا بدّ من التقيد بها كي تتحقق الأهداف.. لذلك ارتفعت العديد من الأصوات في الفترة الأخيرة المطالبة بتطبيق الحظر على الفايسبوك أثناء أوقات العمل ومراقبة المواقع التي يتم زيارتها في شبكة العمل للتعرف على أجهزة الحاسوب التي يتم من خلالها زيارة مواقع التواصل الإجتماعي، وبالتالي القيام بالإجراءات اللازمة مع المخالفين عبر توعيتهم ومساءلتهم وربما معاقبتهم في حالة تغلب الإدمان على نفسياتهم وتسببهم في تعطّل مصالح الناس. الحقيقة أن تصفح الفايسبوك يتم بعد كل عدة دقائق من العمل، ويأخذ حيزا مهما من المدة الزمنية التي يستغرقها الموظفون في مكاتبهم، وهو ما يؤثر على الإنتاج وجودته وعلى سلوكيات الأفراد العاملين، فالإنتاج لن يكون حتما بمستوى متكافئ مع إنتاج موظف آخر يتابع تنفيذ المهمات بإتقان وباستمرار ودون أن يقاطعها بالمحادثات على الفايسبوك والتفاعل مع ما ينشر فيه.. ويذكر أن العديد من الشركات الناجحة في أوروبا منعت موظفيها في وقت من الأوقات من الاتصال بالأهل أثناء العمل، من أجل إبعادهم عن المشاكل والأحداث التي قد تحدت أثناء ذلك لدى أسرهم كي لا تؤثر على تركيزهم ونفسيتهم فيصبح أداؤهم طيلة الوقت المتبقي من مدة العمل سيئا، لذلك أصبحت الضرورة ملحّة لوقف هذا النزيف في تونس والبحث عن حلول جذرية وعملية لإيقاف هذا الإستهتار والتراخي والكسل الذي ضرب الإدارة التونسية وعمّق الأزمة الاقتصادية..

بقلم: عادل بوهلال